[i][font=Georgia][b]عندما يبدأ الفقير يبتسم .. تصفعه الحياة
كان التعب قد أنهك جسده النحيل الذي لم يذق طعاماً منذ ظهر الأمس , لكنه لم يكن يشعر بالتعب ولم يكن يشعر بالجوع .. كان يشعر بإحساس جديد ما عهده من قبل ألا وهو السعادة, وما أروع طعم السعادة في أرواح الفقراء ..
منذ اليوم لم تعد أخته الصغيرة مجبرة على الذهاب الى المدرسة في الأيام الباردة من دون معطف وأوصالها الصغيرة تصطك من البرد.. لم يعد هناك من داع ٍ ليستدين من جاره الانتهازي المرابي ثمن علبة دواء القلب لأمه المريضة .. لن يضحك زملائه في العمل بعد اليوم على ملابسه الرثة .. ولن يكون مهدداً بالطرد من الغرفة الوحيدة التي يقطنها مع أمه وأخته .. وسيعيد أهل الفتاة التي يحب النظر بطلبه بعد أن رفضوا أن يزوجوه ابنتهم بحجة فقره الشديد .. و ستحل جميع المصائب والعقد والحروب وستملأ رواتب الشهور القادمة دروبه بالياسمين والأمل...
كانت هذه الأفكار تتراقص في مخيلته كحمامة صغيرة راسمة ً له غده المشرق.. و ابتسامته الخجولة المتعبة تعلو شيئا فشيئا لتنير وجهه النحيل الأسمر كقنديل في آخر الليل .. وصورة الأم والحبيبة والأخت والمستقبل بين عينيه .. قاطعاً الشارع , ناسياً أن لون الإشارة أحمر!!
********************
أجرة الطريق ... بقلم : جودي بنت حلب
بعد يومٍ من الشقاء قضاه من المدرسة إلى الورشة الحمقاء
ارتمى على سريرٍ مرتجف الأجزاء
يشاركه فيه أخوان
وقفا أمامه يريدان مالاً ليشتريا حلوى ككلّ الأقران
قام ... بحث في جيوب بنطاله العتيق
إلا إنه لم يجد سوى خمس ليراتٍ أجرة الطريق
فأشار بها للأخوين المتلهفين
ففهما أنه لا يملك سواها في مواجهة الزمان
نظرا إلى بعضهما واستدارا دون أن ينبسا بأيّ كلام
حزن عليهما وتذكر أنها المرة الثالثة..لا بل الرابعة .. أقصد العاشرة التي لا يستطيع بها شراء الحلوى للصغيران
فقال : خذاها وسآخذ حسبي الله من هذا الزمان
فانتشلها أحدهما ولحقه الآخر وكأنّ معه كنوزاً ومرجان
عاد وارتمى على السرير
الذي رقّ فراشه القطنيّ حتى صار أشبه بالحصير
تأوّه آهتان خرجتا من قلبه كنار السعير
أخذ يسبح في عالم أحلامه الكبير
الذي لا ينتهي مهما طال المسير..
حلم بالفراش الوثير
وبنومٍ هنيءٍ لا يكدره ركلات أخيه الصغير
حلُم بالجاه والتقدير
فهو الطبيب محمد والجميع يطلب رضاه العسير
حلُم بالطعام الكثير
لحومٌ وشحومٌ وكلّ ما يشتهيه ذلك الفقير
حلُم بأنّ أمه تجالس سيدات المجتمع الرفيع
تسند رجلاً إلى رجلٍ وتتحدث عمّا شاهدته من ألوان البديع
في البلاد التي زارتها في العام الصريع
تخيّل أخته تذهب إلى أرقى مصممات هذا الجيل
ليخطْنَ لها ثوب زفافٍ ليس له مثيل
تخيّل أخواه في مدارس خاصةً يدرسون فيها اللغات والموسيقا والتمثيل
تخيّل والده يأمر وينهي كزعيمٍ قدير
يتمتع بالعزّة والتقدير
لكنّه استفاق أخيراً .. ليرى نفسه على ذات السرير
في ذلك البيت الحقير
تذكّر أنّ والده مات من التعتير
فلم يكن يملك ثمن الجرعات التي تشفيه من ذلك المرض الخطير
ليستسلم للموت ويكون الدواء الأخير
تذكّر أنّ أخواه يحتاجان إلى دفاتر وكتباً وأقلام
تذكّر أنّ أخته ترقع الثوب الذي لديها منذ أعوام
تذكّر أنّ أمّه تحيك البذل والأكمام
لتكسب ليراتٍ قلال
تساعد بها على مداواة الآلام
آلام الفقر والحرمان ...
ذرفت عيناه دمعاً رقيق
وسمع من الخارج صوت نعيق
ندب حظّه وتمنّى لو لم يستفيق
عاد لينام .. عاد ليحلُم .. ولكنّه تذكّر أنّه لا يملك أجرة الطريقb][/font/i]